مشروع يُنقذ ويُغرق في نفس الوقت
في خطوة أثارت جدلاً واسعاً وسط ساكنة إقليم بركان، صادق كل من المجلس الإقليمي لبركان والمجلس الجماعي لفزوان على مشروع تمويلي يروم إنجاز أشغال حفر وتنظيم مجرى واد بوطوار، ليُحوّل صوب واد المنزل، في إطار التدخل الاستعجالي لحماية مدينة بركان من الفيضانات. لكن في خضم هذا المسعى الوقائي، تتعالى أصوات الغضب من دواوير عدة مثل أينتور، ميلي العلوي، ميلي السفلي، وجماعة لعثامنة، التي ترى أن المشروع أتى دون دراسة تقنية واضحة، وقد يُفضي إلى كارثة مائية في مناطقها
تحويل واد بوطوار: التفاف على المشروع الأصلي وتهديد للدواوير
هذا المشروع لم يكن مجرد فكرة عابرة، بل وُضع منذ منتصف التسعينيات ضمن مشاريع الوقاية، وتوج سنة 2019 ضمن البرنامج الاستعجالي بوثائق رسمية بمقر عمالة بركان، غير أنه لم يُنفذ حتى اليوم. فهل يُعقل أن تُصرف الأنظار عن مشروع مدروس ومتوازن، ليتم اعتماد حل مرتجل يُلقي بآثار الفيضانات على كاهل ساكنة دواوير ضعيفة البنية والخدمات؟
أموال تُنفق على حل ترقيعي.. والحزام الواقي يُهمَل!
في مفارقة صادمة، تقرّر إنفاق حوالي 8 ملايين درهم على مشروع تحويل مجرى واد بوطوار نحو واد المنزل، وهو حل وُصف بالترقيعي وغير المدروس، سيساهم فيه كل من جماعة بركان بـ5 ملايين درهم، والمجلس الإقليمي بـ2 مليون، ووكالة الحوض المائي بمليون درهم. يأتي هذا في وقت ظل فيه مشروع الحزام الواقي — المُخطط له منذ التسعينيات لتوجيه السيول نحو واد شراعة — حبيس الرفوف، رغم أن تمويلاته قد حددت في 316 مليون درهم لترتفع إلى 505 مليون درهم بعد مراجعات تقنية و هندسية دقيقة شملت تقوية واد شراعة و إنشاء قنوات تصريف جديدة و بناء أحواض تخزين لحماية المدينة بشكل كامل و ذلك منذ سنة 2019.
إن توجيه هذه الاعتمادات المالية نحو مشروع يُهدد دواوير آهلة بالسكان، في ظل غياب تام لدراسة بيئية أو هندسية، يكشف عن أولويات مغلوطة، ويطرح علامات استفهام حول من يتحمّل المسؤولية إن وقعت الكارثة.
دوافع المشروع: بين حماية مدينة بركان وتجاهل الدواوير المجاورة
تواجه مدينة بركان، كباقي المدن المغربية، تهديدات متزايدة بفعل التغيرات المناخية، من بينها فيضانات موسمية تُلحق أضراراً بالبنية التحتية وممتلكات ه. وفي ظل بطء تنفيذ مشروع حماية المدينة من الفيضانات، الذي يعود إلى تسعينيات القرن الماضي، بادرت السلطات المحلية و المجالس المنتخبة السابقة الذكر إلى البحث عن حلول "استعجالية" و التي أسفرت عن تحويل مجرى واد بوطوار نحو واد المنزل كحل ترقيعي يُفترض أن يقلل من كمية السيول المتدفقة نحو المدينة، ويوزعها باتجاه مسارات أقل ازدحامًا سكانياً، على الأقل حسب التصور الرسمي المتداول. غير أن هذا التصور لم يُرفق بدراسة بيئية أو هندسية دقيقة، ما يثير مخاوف مشروعة.
غياب الدراسة التقنية: علامة استفهام كبيرة
من أبرز النواقص في هذا المشروع هو غياب أي وثيقة تقنية توضح:
-
قدرة واد المنزل على تحمل الكميات الجديدة من المياه.
-
تأثير المياه المتدفقة على التجمعات السكنية التي يمر بها الوادي.
-
حلول هندسية لتفادي غمر المناطق السكنية.
القرار اتُخذ في غياب استشارة علمية أو تقنية، وبدون إشراك الساكنة المعنية بشكل فعلي، وهو ما يعتبر خرقاً لمبدأ العدالة المجالية والشفافية في اتخاذ القرار.
من هم المتضررون؟ خريطة خطر جديدة
يمر واد المنزل بعدة دواوير آهلة بالسكان، تشمل:
-
دوار أينتور: منطقة فلاحية تعرف نشاطاً سكانياً متنامياً.
-
دوار ميلي العلوي والسفلي: تجمعات سكانية كثيفة ذات بنية تحتية ضعيفة.
-
جماعة لعثامنة: تمر المياه وسط التجمع العمراني، ما يُهدد أساسات المنازل والأراضي الزراعية.
سكان هذه المناطق يُجمعون على أن المشروع وُضع على حساب أمنهم المائي والسكاني، دون اعتبار لمخاطر الانجراف، وغمر الأراضي، وتدمير الممتلكات.
شهادات من الميدان: "مشروع يغرقنا لينقذ غيرنا"
قال أحد ساكنة دوار ميلي:
"كنا ننتظر مشروع الحماية الذي وُعدنا به منذ عقود، وإذا بنا نتلقى مشروعاً قد يُغرق منازلنا. لم يُسألنا أحد عن رأينا، ولم نُطلع على أي وثيقة رسمية."
بينما عبر أخر من دوار أينتور عن استيائه قائلا:
"لسنا ضد حماية مدينة بركان، لكن أن يتم ذلك على حسابنا؟ هذا غير عادل. نطالب بتجميد المشروع إلى حين إجراء دراسة ميدانية حقيقية تحدد إيجايبات و سلبيات المشروع أخدين فيها بعين الإعتبار الدواوير المعنية."
تقييم الأثر البيئي الغائب: الخطر القادم
أحد أخطر الجوانب يتمثل في عدم توفر تقييم للأثر البيئي للمشروع، رغم أنه يُغيّر مسار مجرى مائي طبيعي. هذا النوع من التعديلات يتطلب:
-
دراسة سعة القنوات والمجاري الجديدة.
-
تحليل حركة المياه خلال الفصول المختلفة.
-
معرفة التربة ونسبة امتصاصها للمياه.
أي تجاهل لهذه العوامل قد يُحوّل المشروع من حل استباقي إلى سبب مباشر لكارثة بيئية.
البدائل الممكنة التي تم تجاهلها:
بدلاً من تحويل مسار الوادي، كان من الممكن اعتماد حلول أكثر نجاعة مثل:
-
بناء أحواض كبيرة لتجميع المياه قرب مشارف مدينة بركان.
-
إقامة سدود ثلية صغيرة في مجرى واد بوطوار.
-
إنشاء قنوات إسمنتية مغطاة تحت الأرض لتصريف السيول و توجيهها في إتجاه واد شراعة.
كل هذه الحلول كانت لتقلل من الخطر دون المساس بسكان دواوير الهامش.
مسؤولية مؤسساتية: من يُحاسب؟
يتحمل المجلس الإقليمي لبركان والمجلس الجماعي لفزوان مسؤولية مباشرة في تمرير هذا المشروع دون ضمانات علمية، كما تقع على عاتقهم:
-
مسؤولية تعويض المتضررين في حالة وقوع فيضانات.
-
تقديم توضيحات للرأي العام.
-
مراجعة المشروع أو تعديله بناء على دراسة أثر جديدة.
أسئلة شائعة (FAQ):
1. ما الهدف من تحويل مجرى واد بوطوار؟
حماية مدينة بركان من الفيضانات بتصريف مياه السيول نحو واد المنزل.
2. هل المشروع يخضع لدراسة تقنية؟
لا توجد دراسة منشورة أو متاحة توضح الأثر البيئي والاجتماعي للمشروع.
3. ما هي الدواوير المتضررة؟
4. ما هو الخطر المحتمل؟
5. هل من حلول بديلة؟
ختاما:
ليس من العدل أن تُحمى مدينة على حساب قرى، ولا أن يُمرر مشروع دون دراسة تقنيّة دقيقة فقط لأن فئات سكانية أقل صوتاً لن تُحدث ضجيجاً في الصحافة أو المؤسسات العمومية المحلية أو البرلمان. إن مشروع تحويل مجرى واد بوطوار نحو واد المنزل، في صورته الحالية، هو تمثيل صارخ لانعدام التوازن في التخطيط الترابي، وينبغي على السلطات المعنية مراجعة قراراتها، والاستماع إلى السكان، وتقديم حلول تحمي الجميع بعدل وإنصاف.
📣 هل تعيش في إحدى المناطق المتضررة؟ شارك هذا المقال، أو أضف صوتك عبر التعليق أسفل الصفحة – صوتك مهم وقد يصنع الفارق.
أكتب تعلقيك هنا إن كان لديك أي تسائل عن الموضوع