أزمة تضرب صميم الحق في التعليم
يعرف القطاع التربوي بجماعة فزوان، التابعة لإقليم بركان، احتقاناً غير مسبوق بسبب مشكلتين أساسيتين تمسان مباشرة حق التلاميذ في متابعة دراستهم في ظروف لائقة. يتعلق الأمر أولاً بـ إلزامية آباء وأولياء التلاميذ بأداء واجب النقل المدرسي رغم أن الجماعة تؤدي سنوياً دعماً مالياً كبيراً لفائدة الجمعية الإقليمية لتطوير وتعميم التعليم قصد نقل التلاميذ مجاناً، وثانياً بـ قرار إغلاق فرعية المنزل التابعة لمجموعة مدارس أبي العباس الجيراوي، الذي وُصف من قبل فعاليات مدنية وسياسية بـ "الشطط في استعمال السلطة" من طرف المديرية الإقليمية ببركان.
هذه التطورات دفعت عدداً من الفعاليات السياسية والمدنية، وعلى رأسها الكتابة الإقليمية والمحلية لحزب العدالة والتنمية بفزوان، إلى الدخول على خط الأزمة، مطالبة بفتح حوار جدي ومسؤول يحترم حق التلاميذ في تعليم مجاني وقريب، ويراعي الظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة للأسر.
خلفية الأزمة: النقل المدرسي بين الدعم العمومي والالتزام المجحف
دعم مالي مهم من الجماعة:
تساهم جماعة فزوان بمبلغ يقارب 50 مليون سنتيم سنوياً لفائدة الجمعية الإقليمية لتطوير وتعميم التعليم ببركان، وذلك بغرض توفير خدمة النقل المدرسي بالمجان لفائدة أبناء جماعة فزوان، انسجاماً مع السياسات العمومية الداعمة لمبدأ تكافؤ الفرص ومحاربة الهدر المدرسي.
إلزام غير قانوني للأسر:
رغم هذا الدعم السخي، فوجئ أولياء التلاميذ بقرار الجمعية فرض واجبات مالية مقابل النقل المدرسي. هذا الإجراء اعتبرته فعاليات محلية تعسفياً وغير قانوني، لأنه يضرب في العمق الهدف من الدعم العمومي، ويشكل ازدواجية في الأداء: الجماعة تؤدي، والأسر تؤدي أيضاً.
انعكاسات سلبية على الأسر:
أدى هذا القرار إلى استياء واسع بين أولياء الأمور، خاصة أن معظمهم ينتمون إلى فئات اجتماعية هشة، لا تستطيع تحمل تكاليف إضافية. وهو ما يُنذر بتفاقم مشكل الهدر المدرسي، خصوصاً في صفوف الفتيات، اللواتي يعتبر النقل المدرسي أحد أهم الضمانات لاستمرارهن في الدراسة.
إغلاق فرعية المنزل: قرار صادم واتهامات بالشطط
مؤسسة مهيأة ثم مغلقة!
تعتبر فرعية المنزل التابعة لمجموعة مدارس أبي العباس الجيراوي من المؤسسات التعليمية التي استفادت مؤخراً من إصلاحات مهمة، شملت ترميم الحجرات الدراسية، بل وإضافة حجرة جديدة مجهزة للتعليم الأولي. غير أن المفاجأة كانت في صدور قرار بإغلاقها مباشرة بعد هذه الاستثمارات، وهو ما أثار استغراب وغضب الساكنة.
شطط في استعمال السلطة؟
وصفت فعاليات محلية وسياسية القرار بأنه شطط في استعمال السلطة من طرف المديرية الإقليمية للتعليم ببركان، خصوصاً أنه اتُّخذ دون إشراك الآباء والأمهات، وباقي المتدخلين. كما لم تجرِ أي دراسة تقنية أو اجتماعية تراعي المسافة الكبيرة (أكثر من 5 كيلومترات) التي سيتعين على التلاميذ قطعها في حافلات النقل المدرسي، والطرق المهترئة التي تهدد سلامتهم خاصة في فصل الشتاء دون إغفال الواجبات المالية التي سيصبحون ملزمون بأدائها للجمعية الاقليمية لتطوير و تعميم التعليم ببركان
.
تبديد للمال العام:
إغلاق مؤسسة حديثة الإصلاح أثار أيضاً تساؤلات حول حسن تدبير المال العام، حيث يرى متتبعون أن هذه الإصلاحات لم تكن إلا هدراً للموارد المالية و تبديد للمال العام، ما دام القرار النهائي كان إغلاق المؤسسة.
المواقف السياسية والمدنية: تضامن واسع ودعوات للحوار
دخول حزب العدالة والتنمية على الخط:
أصدرت الكتابة الإقليمية والمحلية لحزب العدالة والتنمية ببركان وفزوان بيان شديدة اللهجة، استنكرت فيه ما وصفته بـ الاستهتار بالمسؤولية والصمت غير المبرر للسلطات المحلية والجماعية، مؤكدة أن الأزمة مرشحة للتصعيد إذا لم يتم فتح حوار جاد ومسؤول.
دور الجمعيات المدنية:
إلى جانب الحزب، دخلت على الخط جمعيات مدنية مهتمة بالشأن التربوي، عبّرت عن تضامنها مع التلاميذ وأوليائهم، ورفضها للإجراءات التعسفية سواء في موضوع النقل أو في قرار إغلاق الفرعية. الجمعيات حذرت أيضاً من الآثار الاجتماعية والنفسية التي قد تنجم عن هذا الوضع على التلاميذ والأسر.
الأبعاد القانونية والاجتماعية للأزمة:
الحق الدستوري في التعليم:
ينص دستور المملكة المغربية على أن التعليم حق لكل مواطن، وأن الدولة والجماعات الترابية تعمل على توفير الظروف الملائمة للاستفادة منه. من هذا المنطلق، يعتبر قرار فرض رسوم غير قانونية أو إغلاق مؤسسة تعليمية بشكل تعسفي انتهاكاً مباشراً لهذا الحق.
الهدر المدرسي كتهديد للمستقبل:
تشير تقارير تربوية إلى أن بعد المؤسسات التعليمية، وغياب وسائل النقل المدرسي المجانية، من أهم مسببات الهدر المدرسي، خاصة في العالم القروي. إغلاق فرعية المنزل، مع إلزام الأسر بدفع واجبات النقل، يشكل وصفة مؤكدة لارتفاع نسب الانقطاع عن الدراسة.
الأثر على الفتيات:
الفتيات بالخصوص هنّ الأكثر تضرراً، حيث تشكل المسافة الطويلة وغياب النقل الآمن عائقاً رئيسياً أمام استمرارهن في الدراسة، مما يعمّق الفوارق الجندرية في التعليم.
الحلول الممكنة: مقترحات للخروج من الأزمة
-
فتح حوار عاجل بين جميع الأطراف المعنية: المديرية الإقليمية، السلطة المحلية، الجماعة، والجمعيات.
-
إلغاء إلزامية الواجبات المفروضة على الأسر، وتفعيل الدعم المالي الموجه أصلاً للنقل المجاني.
-
التراجع عن قرار إغلاق فرعية المنزل، أو على الأقل إيجاد بدائل حقيقية تضمن استمرارية تعليم التلاميذ في ظروف مقبولة.
-
تفعيل المراقبة والمحاسبة بخصوص صرف الأموال العمومية المخصصة للنقل والإصلاحات التعليمية.
-
إشراك المجتمع المدني في اتخاذ القرارات التربوية المحلية، لضمان الشفافية والتجاوب مع حاجيات الساكنة.
أسئلة شائعة (FAQ):
1. لماذا يرفض أولياء التلاميذ دفع واجبات النقل المدرسي؟
لأن الجماعة تؤدي مسبقاً دعماً مالياً للجمعية الإقليمية بهدف نقل التلاميذ مجاناً، وبالتالي يُعتبر فرض رسوم إضافية على الأسر إجراءً غير قانوني ومجحفاً.
2. ما هي خطورة إغلاق فرعية المنزل؟
القرار يضاعف معاناة الأسر بسبب المسافة الطويلة والطرق المهترئة، ويهدد بارتفاع نسب الهدر المدرسي خصوصاً لدى الفتيات.
3. من هي الأطراف المسؤولة عن هذه الأزمة؟
المديرية الإقليمية للتعليم ببركان، الجمعية الإقليمية لتطوير وتعميم التعليم، جماعة فزوان، والسلطة المحلية.
4. ما الحلول المقترحة لتجاوز الوضع؟
إلغاء واجبات النقل، إعادة فتح فرعية المنزل، فتح حوار جاد مع الساكنة، وتفعيل آليات المراقبة والمحاسبة.
ختاما: نحو مقاربة عادلة تحفظ كرامة التلميذ والأسرة
إن ما تعرفه جماعة فزوان اليوم ليس مجرد خلاف إداري، بل هو أزمة تمس حقاً أساسياً ودستورياً هو الحق في التعليم. إلزام الأسر بدفع تكاليف غير قانونية، وإغلاق مؤسسة تعليمية دون مبرر واقعي، يُشكلان معاً ضرباً صريحاً لمبدأ مجانية التعليم وتكافؤ الفرص.
الحل يبدأ من إرادة سياسية وإدارية صادقة تعطي الأولوية لمصلحة التلميذ فوق أي حساب آخر، وتضع كرامة المواطن في صلب القرار التربوي. فالتعليم ليس مجرد خدمة، بل هو استثمار في المستقبل، وضمانة لبناء مجتمع عادل ومتوازن.
أكتب تعلقيك هنا إن كان لديك أي تسائل عن الموضوع