جماعة مداع تحث المجهر
حين تتحول الزيارات الرسمية إلى هروب جماعي:
في عالم العلاقات الدولية والدبلوماسية، تُبنى الثقة على الالتزام، وتُقاس جدية الدول والجماعات بمواقف ممثليها. لكن ماذا لو انقلب المشهد رأساً على عقب، وتحولت زيارة رسمية إلى مسرح لفضيحة تهزّ الصورة النمطية للمؤسسات؟ هذا ما حدث لجماعة مداغ بإقليم بركان وفق ما توصلت به جريدة صباح الشرق، و الذي أكد أنه خلال زيارة وفد من جماعة مداغ إقليم بركان إلى فرنسا، قرّر اثنان من أعضاء الوفد الانسلاخ عن أهداف المهمة والتحول إلى لاجئين غير شرعيين(حراكا). إنها ليست مجرد واقعة، بل "حريك سياسي" بمعناه الكامل، كسر الحدود بين الدبلوماسية والانتهازية، وبين التنمية والخذلان.
جذور الزيارة: شراكة طموحة وأهداف تنموية
بدأت الحكاية بمشروع واعد يعكس روح التعاون الدولي بين الجماعات الترابية المغربية ونظيرتها الفرنسية. في إطار برنامج التعاون اللامركزي، تم تنظيم زيارة رسمية لوفد من جماعة مداغ، التابعة لإقليم بركان، إلى دائرة ديلاكورا بفرنسا. جاءت هذه الزيارة ما بين 19 و26 ماي 2025، ضمن مشروع يهدف إلى تعزيز العلاقات الثنائية، وتبادل الخبرات، والانخراط في مشاريع مشتركة بمجالات التنمية، الطاقة المتجددة، والمراقبة الحضرية.
الوفد كان يضم منتخبين ومسؤولين، في مهمة تم إعدادها بعناية، بتنسيق مع جمعية فرنسية تُعنى بالصداقة المغربية الفرنسية، وبرعاية عمداء فرنسيين ومسؤولين محليين.
لحظة الانقلاب: من ممثلين رسميين إلى مهاجرين سريين
لكن وسط هذا الإطار الرسمي، وقع ما لم يكن في الحسبان: اختفى اثنان من مستشاري جماعة مداغ ، أحدهما ينتمي لحزب القوات الديمقراطية، والآخر لحزب التجمع الوطني للأحرار. قرّرا – دون سابق إنذار – عدم العودة إلى المغرب، وفضّلا "الهروب السياسي" بطابع غير شرعي، ضاربَين عرض الحائط مهمة الوفد، والرمزية الدبلوماسية التي يحملونها.
أثار هذا التصرف صدمة كبيرة في الأوساط المحلية، الإقليمية والوطنية، وتم وصفه بأنه "خيانة مؤسساتية" وتعدٍ صارخ على الثقة التي مُنحت لهم كممثلين رسميين من طرف الساكنة.
الأبعاد الأخلاقية والسياسية للفضيحة
أثارت هذه الحادثة تساؤلات حادة ومحرجة، تمحورت حول:
-
كيف يمكن بناء الثقة الدولية إذا كان ممثلو الجماعات يتصرفون بنوايا خفية؟
-
أين الأخلاقيات السياسية التي من المفترض أن يتحلى بها المستشارون؟
-
كيف نضمن أن لا تتحول الزيارات الرسمية إلى ممرات سرية للهروب؟
إن هذا الحدث لا يمثل فقط تقصيرًا فرديًا، بل يُعدّ مؤشراً على أزمة في الانتقاء المؤسسي، ومسؤولية الأحزاب التي تزكي مرشحين دون التأكد من أهليتهم الأخلاقية والتمثيلية.
ردود الفعل: صدمة وغضب ومطالب بمحاسبة صارمة
في أولى ردود الفعل، عبّرت عدة جهات عن صدمتها من الحادثة. الصحافة المحلية وصفت الحدث بـ"النقطة السوداء"، والمجتمع المدني طالب بفتح تحقيق عاجل، فيما اعتبرت فعاليات سياسية أن ما جرى يمثل "إهانة للدبلوماسية الجماعية المغربية".
كما شهدت وسائل التواصل الاجتماعي موجة من الانتقادات والسخرية، وصلت حد المطالبة بتجريد الفارين من مناصبهم، ومتابعتهم بتهم الإخلال بمسؤولياتهم وتمثيلهم الرسمي.
دلالات "الحريك السياسي": أزمة تمثيل أم مؤامرة مدروسة؟
تفتح هذه الحادثة باباً واسعًا للتحليل. هل نحن أمام ظاهرة فردية ناتجة عن طموح شخصي مفرط؟ أم أننا بصدد مشكلة بنيوية تعكس هشاشة التكوين السياسي للممثلين المحليين؟ هل فعلاً يتم اختيار الوفود وفق معايير الكفاءة والمسؤولية، أم أن الزبونية والحسابات الحزبية لا تزال تتحكم في التعيينات؟
هذه الأسئلة ليست مجرد تنظير، بل ضرورية لوضع حد لهذه الانزلاقات التي تُلحق ضرراً بصورة المغرب في الخارج
ختاما: الدروس المستخلصة من هذه الفضيحة "الحريك السياسي"
ما حدث ليس مجرد حادثة عرضية، بل جرس إنذار يُنذر بخطورة التراخي في ضبط تمثيل الوطن بالخارج. هي دعوة لإعادة بناء الثقة، وتحقيق التوازن بين الطموح الفردي والمسؤولية الجماعية.
ولعل الأمل يبقى في أن تُحوّل هذه الفضيحة إلى فرصة للتغيير، وفرصة لاستعادة هيبة التمثيل الرسمي، حتى لا تبقى عبارة "الحريك السياسي" لعنة تلاحق الدبلوماسية المغربية الجماعية.
أكتب تعلقيك هنا إن كان لديك أي تسائل عن الموضوع