حزب العدالة والتنمية: ديمقراطية داخلية تفرز بن كيران مجدداً وتعيد تشكيل ملامح المشهد السياسي المغربي

المؤتمر الوطني التاسع لحزب العدالة و التنمية:

في مشهد سياسي متقلب، وأمام أعين المراقبين والمتابعين للشأن الحزبي في المغرب، خطف المؤتمر الوطني التاسع لحزب العدالة والتنمية (البيجيدي) الأضواء، ليس فقط بسبب النتائج التي أسفر عنها، بل لما طبع أشغاله من ممارسات ديمقراطية نادرة في الساحة الحزبية المغربية. لقد أعاد الحزب تقديم نفسه ككيان يحترم منطق المؤسسات، ويؤمن بآلية الاقتراع الحر داخل هياكله، وهو ما توّج بفوز الأمين العام السابق عبد الإله بن كيران بفارق طفيف عن غريمه إدريس الأزمي الإدريسي.

هذا المقال يعيد قراءة وقائع المؤتمر من زاوية تحليلية، ويتوقف عند البُعد الديمقراطي الذي بات سمة مميزة للحزب، كما يسلّط الضوء على رمزية عودة بن كيران، وأثرها المحتمل على مستقبل الحزب ومكانته ضمن الخريطة السياسية الوطنية.

ما الذي يميز مؤتمر البيجيدي التاسع عن غيره من مؤتمرات الأحزاب المغربية؟

1. ديمقراطية حقيقية أم استثناء حزبي؟

في الوقت الذي تعاني فيه غالبية الأحزاب المغربية من أعطاب تنظيمية، يتّسم المؤتمر الوطني لحزب العدالة والتنمية، ولا سيما نسخته التاسعة، بخصوصية لافتة في مسار الانتقال الديمقراطي الداخلي. آلية انتخاب الأمين العام تمرّ عبر عدة مراحل شفافة، تبدأ من ترشيح القواعد، مروراً بلجنة الترشيح، وصولاً إلى التصويت الحر من طرف المؤتمرين. وهي ممارسة أصبحت تشكّل علامة فارقة بين هذا الحزب وبقية الفرقاء السياسيين الذين ما تزال قياداتهم تُنتج غالباً عبر التوافقات المسبقة أو التعيينات.

2. التنافس الحقيقي بين مرشحين ذوي ثقل سياسي:

ما زاد المؤتمر زخماً هو المنافسة القوية بين عبد الإله بن كيران وإدريس الأزمي الإدريسي، كلاهما من الشخصيات البارزة التي تُمثل تيارين داخل الحزب: تيار التجربة الشعبية والخطاب المباشر (بن كيران)، وتيار المؤسسية والتدبير الإداري الهادئ (الأزمي). هذه الدينامية أضفت على المؤتمر حيوية خاصة، ورفعت من منسوب الاهتمام الجماهيري والإعلامي.

كيف تم تنظيم العملية الانتخابية داخل المؤتمر؟

مراحل انتخاب الأمين العام داخل البيجيدي: شفافية تتفوق على الأحزاب الأخرى

مرحلة الترشيح الأولي:

تم فتح المجال أمام القواعد لاختيار مرشحيهم بحرية، ضمن مسطرة تراعي التوازن بين القيادة والتجديد، وهو ما أفرز عدداً من الأسماء، قبل أن تحسم لجنة الترشيح في الأسماء النهائية.

 المرحلة الثانية : لجنة الترشيح والتصويت النهائي:

بعد التداول، احتُكم إلى الصندوق. وبهامش ضئيل من الأصوات، استطاع عبد الإله بن كيران أن ينتزع ثقة المؤتمرين، في مشهد يُعيد للأذهان لحظات مشابهة من تاريخ الحزب، حيث كانت التعددية الداخلية واحترام المسطرة من أهم ما يميّزه.

دلالات عودة عبد الإله بن كيران: عودة للمبادئ أم للواجهة؟

1. بن كيران كرمزية سياسية:

رغم مرور سنوات على خروجه من رئاسة الحكومة، ظلّ عبد الإله بن كيران حاضراً في وجدان قواعد الحزب وجزء من الرأي العام، بخطابه القريب من الناس، وكاريزمته التي لا تخطئها العين. عودته إلى قيادة الحزب في هذه المرحلة المفصلية تعكس رغبة القواعد في استرجاع روح الحزب التي غابت بعد نكسة الانتخابات الأخيرة.

2. هل هي عودة استراتيجية لإعادة التوازن داخل الحزب؟

البعض يرى أن عودة بن كيران تمثل ردة عن خيار التجديد، لكن آخرين يعتبرونها محاولة لإعادة هيكلة الحزب وفق ثوابته التاريخية، وخاصة في ما يتعلق بـ"الإسلام السياسي المعتدل"، وتبني خطاب جماهيري يبتعد عن النخبوية المفرطة التي التصقت ببعض قيادات المرحلة السابقة.

المؤتمر من زاوية المراقبين: كيف تفاعل الإعلام والرأي العام؟

رصدت الصحافة الوطنية والدولية باهتمام كبير أشغال المؤتمر، معتبرة أن حزب العدالة والتنمية استطاع ترسيخ تقليد ديمقراطي نادر، في وقت تشهد فيه الأحزاب الأخرى أزمات تنظيمية حادة. بعض التحليلات ذهبت إلى أن طريقة إدارة البيجيدي لمؤتمره قد تعيد رسم موقعه في المشهد الحزبي، وتُحفّز قواعده على العودة للانخراط الفعّال بعد فترة فتور.

الرهانات المستقبلية بعد انتخاب بن كيران

1: هل يستطيع الحزب استعادة زخمه الشعبي؟

انتخاب بن كيران يشكل تحدياً مزدوجاً: أولاً، إعادة بناء الثقة داخل التنظيم، وثانياً، محاولة استعادة الموقع الشعبي الذي فقده الحزب خلال الاستحقاقات الأخيرة. وهو ما يتطلب استراتيجية تواصلية جديدة، وإعادة النظر في الأولويات السياسية والتنظيمية.

2 : التحديات أمام القيادة الجديدة

من بين أبرز التحديات:

• استعادة موقع المعارضة البناءة دون السقوط في الشعبوية.

• مراجعة علاقة الحزب بالمؤسسات المنتخبة.

• بناء خطاب سياسي واقعي يوازن بين المرجعية الإسلامية ومتغيرات الساحة.

هل يشكّل البيجيدي نموذجاً ديمقراطياً يحتذى به؟

رغم الانتقادات التي طالت الحزب خلال تجربته في الحكومة، إلا أن مؤتمره التاسع أعاد تسليط الضوء على قدرته على ممارسة الديمقراطية الداخلية بشكل منظم ومحترم، مما يفتح النقاش حول مستقبل الأحزاب في المغرب، ومدى حاجتها لتبني آليات مشابهة تُعزز مصداقيتها لدى المواطنين.

الأسئلة الشائعة (FAQ):

ما هو أبرز ما ميز المؤتمر الوطني التاسع لحزب العدالة والتنمية؟

شفافية عملية انتخاب الأمين العام، والتنافس الحقيقي بين مرشحين بارزين، في أجواء ديمقراطية حقيقية.

كيف تم انتخاب عبد الإله بن كيران؟

تم انتخابه عبر مراحل تصويت داخلية شفافة، حيث تفوق بفارق بسيط عن إدريس الأزمي الإدريسي.

هل يمكن اعتبار حزب العدالة والتنمية أكثر ديمقراطية من الأحزاب الأخرى؟

من خلال مقارنة عملية انتخاب القيادة، يظهر أن الحزب يتميز بدينامية داخلية وإجراءات واضحة تجعله في طليعة الأحزاب المغربية على هذا المستوى.

ما هي التحديات المقبلة لبن كيران؟

إعادة ترميم الحزب، واستعادة شعبيته، وبناء معارضة فعالة تراعي المتغيرات الوطنية والدولية.

ختاما: الديمقراطية تبدأ من الداخل

إن نجاح حزب العدالة والتنمية في تنظيم مؤتمر شفاف ونزيه، وانتخاب قيادة جديدة عبر مسطرة ديمقراطية داخلية، يعيد الأمل في إمكانية إحياء العمل السياسي النبيل في المغرب. فبينما تعاني الأحزاب من أزمة ثقة وتراجع في الأداء، يظهر البيجيدي كاستثناء يحتفظ بنبضه الداخلي، ويُبرهن أن الممارسة الديمقراطية ليست مجرد شعارات، بل سلوك ومؤسسات وإرادة.

عودة بن كيران قد تكون بداية مرحلة جديدة، ولكنها ليست النهاية. فالأهم من الأشخاص هو المشروع، والمطلوب اليوم هو بناء حزب متجدد فكرياً، ومتين تنظيمياً، وقريب من نبض الشارع... فهل ينجح البيجيدي في ذلك؟ الأيام كفيلة بالإجابة.

شاركنا رأيك

ما رأيك في تجربة حزب العدالة والتنمية الديمقراطية؟

وهل ترى أن عودة بن كيران ستحيي الحزب من جديد؟

اكتب رأيك في التعليقات، وشارك المقال مع المهتمين بالشأن السياسي المغربي!